المال بين الفقر والغنى

طباعة

ما هو رأي الله في المال؟ ولماذا يضع المسيح الله والمال على طرفي نقيض للاختيار بينهما، عندما قال: "لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" (مت 24:6)؟

المال ليس شراً في حد ذاته. أما محبة المال فهي أصل لكل الشرور (1تي 10:6).

المال كشيءٍ مجرد لا غبار عليه، ولكن قلب الإنسان الشرير بما فيه من شهوة للمال يمكن أن يؤدي للألم والقيود والشر – ويتعرّض المؤمنون لهذا إن هم سمحوا لمحبة المال أن تدخل إلى قلوبهم.

 

إن المال كالحرباء يتلوّن بلون قلب صاحبه. ويوجد ما يسمى بالمال الملوث أو مال الدم، حتى رؤساء الكهنة عرفوا ذلك فرفضوا إرجاع المال الذي أخذه يهوذا إلى الخزانة بعد انتحاره. أما المال نفسه فلا شر فيه فهو مجرد حبر وورق. فالله والمال ليسا على طرفي نقيض، بل إن الله يستخدم المال كما يستخدم أيضاً الفقر ليمتحن قلوبنا ويرى ما بداخلها. إن الطريق التي نستخدم بها المال هي مقياسٌ لترتيب أولوياتنا.

عندما يفوز شخص بجائزةٍ مالية نتيجة مسابقة أو ما شابه، فإن أول سؤال يُسأل عنه: "ماذا ستفعل بهذا المبلغ؟" وما قد لا ندركه أحياناً هو أن الله أيضاً يسألنا نفس السؤال عن كل ما يصل إلى جيوبنا. فما نفعله بالمال يظهر شخصياتنا؛ فإن كنا أمناء في التصرف مع المال فإننا، كما يقول المسيح، سوف نُؤتمَن على ميراث روحي أيضاً (لو 11:16).

كما يستخدم الله المال أيضاً ليعلّمنا كيف نثق به. تذكّر كيف قاد الله إيليا إلى نبع مياه حيث اختبأ لفترةٍ خلال المجاعة؟

لا شك أنه سرعان ما تعوّد على نمط معتاد من الحياة – فقد عرف متى يتوّقع الغربان عندما تأتي له بالفطور والغداء والعشاء كل يوم. فكان يجلس بجانب شط النبع حيث النسيم العليل وظلال الخمائل ينتظر خدمة توصيل المنازل على أجنحة الغربان! فماذا حدث؟ لقد جفّ النبع بالتدريج حتى اختفى تماماً. لم يسمح الله له أن يصبح مستريحاً معتمداً على النبع - حتى بالرغم من أن النبع هذا هو من تدبير الله له. لقد كان الله يستعد لأن يقود إيليا إلى مكانٍ آخر فجعل النبع يجف.

عندما يجف نبعنا المادي، فنحن نصبح مستعدين لأن ننصت إلى الله الذي يريدنا أن نعتمد عليه بإرادتنا وتصميمنا. فهدفه الأول والأوحد هو أن يعلّمنا ويجذبنا نحوه أكثر. فنحن كثيراً ما نميل إلى درجة من الاستقلالية أعلى مما يريدها الله لنا.

إننا نحتاج لأن نعرف أن نقص المال هو من الله، كما أن المال هو أيضاً من الله. وعندما يجف النبع، يجب أن نسأل الله. ماذا نفعل وفي أي اتجاه نتحرّك - تماماً كما فعل إيليا.

ولأن المال مهم في حياتنا، فإن كلمة الله تخصّص مساحةً كبيرة له؛ فتوجد في الكتاب المقدس 3225 إشارة للأمور المادية. لذا فلا يجب أن نحتار ونتساءل عن رأي الله في المال واستخدامه، عندما نحاول البحث في الكتاب.

وسوف نرى ماذا يقول الله في بعض من هذه الأمور الهامة. واعتماداً على هذه الأسس، نستطيع أن نتحرّك لننفّذ ما يقوله الله ويقودنا لأن نفعله بحريةٍ كاملة.

توجد الكثير من الخطط والأفكار التي تُعرَض على الناس مع وعد أن يصيروا أغنياء ويحصلوا على الحرية المادية. والله يعد بالحرية أيضاً من الضيقات المادية، ولكن الحرية التي يعطيها الله تختلف تماماً عن الوعود البرّاقة التي يعطيها السماسرة ورجال المبيعات. إنه يعدنا بأن نعرف الحق وهذا الحق يحررنا وهذا يتضمن أن نتعلم الحق بشأن المال.

ولكن، نحتاج أولاً لأن نتعلّم بعض الأمور عن عدونا، وكيف يستخدم المال. فليس الله فقط الذي يهتم بأمور المال، إذ إن عدونا الشيطان يتدخل أيضاً بصورةٍ كبيرة في الأمور المادية على نطاقٍ واسع شخصي ودولي ليدمرنا ويهدم حياتنا من الأفراد.

لكي نتعلّم أن نحيا بالإيمان في الأمور المادية، يجب أن نعتمد على مصدرٍ خارجي للمعلومات بخلاف حواسنا وما نستنتجه من ظروفنا، تماماً كقيادة طيارة بحسب الأجهزة فقط. فالرؤية أمامنا قد تصبح أحياناً معتمة ومشوشة، لكن بالرغم من ذلك يمكننا أن نظل في الوضع الصحيح والمسار الصحيح. وهذا المصدر الموثوق به للمعلومات هو كلمة الله.

إن كلمة الله المكتوبة تعطينا مبادئ كثيرة تقودنا في مجال الماديات - ولكننا نركّز على بعض المبادئ الأساسية. وهذه الحقائق لا تتغيّر سواء كان لديك عمل تقليدي من 9 ص إلى 5م، أو كنت تقود عملاً كرازياً، وخادماً متفرغاً للخدمة.

المبدأ الأول: لا تقلق بشأن المال

إن من الوصايا الأولى في الكتاب المقدس، هي ألا نقلق. وهي وصية محدّدة مثل وصية لا نقتل أو نزني. ويسوع يقول لنا في موعظته على الجبل ألا نهتم بشأن المال. إن الذي اختار الوحي أن ينقله لنا من هذه الموعظة، كان بإرشاد من الروح القدس. لذا فكون الوحي قد أفرد هذه المساحة الكبيرة لتلك الوصية فلها دلالة كبيرة. إن في العالم شروراً كثيرة كان يمكن أن يحذّرنا يسوع منها. وللإنسان سقطات كثيرة شهيرة، كان من الممكن أن يلفت يسوع انتباهنا إليها- ولكنه صوّب نحو اهتمامنا وقلقنا بشأن المال.

ربما تواجه في الوقت الحاضر أزمةً مادية، استمع إذن لكلمات يسوع كما لو كنت لم تسمعه من قبل:

"لذلك أقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون. ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحيوة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس. انظروا إلى طيور السماء. إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن. وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها. ومَن منكم إذا اهتمَّ يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحدة. ولماذا تهتمون باللباس. تأمَّلوا زنابق الحقل كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبسُ كواحدةٍ منها. فإن كان عُشب الحقل الذي يوجد اليوم ويُطرح غداً في التَّنور يلبسه الله هكذا أفليس بالحري جداً يُلبسكم أنتُم يا قليلي الإيمان. فلا تهتموا قائلينَ ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس. فإن هذه كلها تطلبها الأمم. لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه وهذه كلُّها تُزاد لكم. فلا تهتموا للغد. لأنَّ الغد يهتمُّ بما لنفسه. يكفي اليوم شره" (مت 25:6-34).

لا يوجد أوضح من ذلك. لقد قال أحدهم باختصار: "إن القلق هو إيمان بالشيطان". اقرأ مزمور 37. إن رسالته المحورية هي عدم القلق بشأن الأمور المادية؛ فلثلاث مرات يقول في هذا المزمور "لا تغر" ثم يقول في عدد 8 "لا تغر لفعل الشر" وهي تعني أن الغيرة والقلق تؤديان لفعل الشر.

وسواء كانت مخاوفك المادية بسبب شيءٍ خارج عن إرادتك – كاقتصاد الدولة مثلاُ، أو بشأن شيءٍ فعلته أنت كأن أسأت استخدام ما تملكه من مال مثلاً، فإن وصية الكتاب مازالت سارية: لا تقلق بشأن المال والله سوف يريك خطوات عملية للخروج من مأزقك المادي. قد تحتاج أيضاً لمشورةٍ في هذا المجال. وقد تحتاج لتوبةٍ ورد المسلوب، إذا كانت مشكلتك ناتجة من سوء التصرف أو نقص الحكمة.. ولكن لا يجب أبداً أن تقلق. فالقلق سوف لا يؤدي إلاّ لمزيد من التوجهات والأفعال الخاطئة.

إن اختيارك ألا تقلق سوف يحتاج لقدرٍ من الإرادة والقوة؛ كالذي يحتاجه الطيار ليعتمد على الأجهزة بدلاً من حواسه الطبيعية في أثناء التحليق وسط الضباب مثلاً. ومن الأمثلة الحية على ذلك "ليليان تراشر":

ذهبت "ليليان تراشر" إلى مصر في أوائل القرن العشرين استجابةً لدعوة الله لها – دونما أي موافقة رسمية أو مساندة مادية من أي هيئة إرسالية. وهناك تحرّك قلب تلك الشابة لاحتياجات آلاف من الأطفال اليتامى، لم يكن هناك أي شيء تفعله لتساعدهم، لأنها لم تكن تملك مصدراً للدخل الشخصي لها فكم بالحري لأطفال محتاجين، ولكنها كانت مقتنعة أن الله كان ينتظر منها أن تفعل شيئاً.

بدأت في استقبال الأطفال سنة 1911، وسرعان ما أصبحت مسئولة عن 1500 إلى 2000 طفل وأرملة وخلال واحد وخمسين سنة - من بينهم سني الحرب العالمية الثانية الصعبة. اعتمدت على الله وعلى عطايا شعبه - سواء للطعام أو للمباني الإضافية، وانتشرت أخبار خدمتها، وأرسل الكثيرون مساعدات كثيرة. ولكن أسلوب حياتها استمر كما هو: اعتماد على الله بصفة يومية واختيار يومي لعدم القلق: وكتبت في إحدى الكتب تلك التجربة التي كانت تعطي صورة صادقة عن طريقة حياتها.

ذكرت ليليان تراشر القصة التالية:

في أحد الأيام، ذهبت لزيارة إحدى صديقاتي المصريات إذ كانت مريضة. وبينما كنا نتجاذب أطراف الحديث سألتني كم طفلاً عندي (في الملجأ) فقلت لها. فسألتني كم كان لدي من المال فقلت لها أنه كان معي خمسة دولارات ثم اقترضت مائتين وخمسين آخرين من أصدقاء لي. اندهشت صديقة "ليليان" إذ أنها كانت تعرف أن الملجأ يريد أن يبني مبنى جديداً وسألتها: "بالطبع لن تبدأوا البناء قبل أن يكون لديكم المزيد من المال أليس كذلك؟ وزادت دهشتها عندما أجابتها "ليليان" قائلة: "لا.. نحن لا ننتظر المال. فعندما نصبح متأكدين أننا نحتاج لمبنى جديد فإننا نبدأ، حتى لو كان لدينا خمسون سنتاً. وعندما ينتهي البناء يكون المبنى قد دُفعت تكاليفه بالكامل. حاولت "ليليان" طمأنة صديقتها، فقصتّ عليها كيف أن هذه الطريقة قد نجحت بالفعل في مراتٍ عديدة. فحكت قصة بيت الشابات المكوّن من طابقين وكيف دفعوا تكاليفه بالكامل ولم يستدينوا ولا بسنت واحد!

وبعد عدة قصص من هذا النوع قالت السيدة: "حسن يا "ليليان"، لو لم أكن أعلم أن هذا حدث بالفعل لقلت إنها أكاذيب!"

وكتبت "ليليان" تقول: "وعندما هممت بمغادرة منزل صديقتي تلك الليلة، أعطاني زوجها 25 دولاراً. وفي الصباح التالي وصلتني خمسة وخمسون دولاراً من أمريكا، فسددت بعضاً من المائتي وخمسين دولاراً التي كنت مديونة بها. وفي اليوم التالي بعد الظهر، صعدت للحضانة وعندما نظرت لأسرّة الأطفال لاحظت أن هناك احتياجاً شديداً لأغطيةٍ جديدة؛ إذ قد تهرأت الأغطية القديمة، وقلت لإحدى المدرسات: "آه لو كانت معي عشرة دولارات الآن!" وقبل أن أكمل الجملة جاءتني إحدى الفتيات الصغيرات وقالت "ماما" السيدة "د" تريد التحدث إليك على التليفون" وكانت السيدة "د" هذه أرملة مصرية شديدة الثراء.

"قالت لي السيدة "د" إنها تريد أن تزور الملجأ، فرحبت بها. وخلال وقت قصير وصلت للملجأ سيارتان كانت إحداهما مملوءة بالبرتقال للأطفال الذين اصطفوا ليأخذ كل منهم برتقالة. وقبل أن تغادر هذه السيدة المكان أعطتني مبلغ 150 دولار".

ذهبت "ليليان" مباشرةً للمتجر واشترت الأغطية اللازمة، ثم استخدمت ما تبقّى لتسديد الدين. وفي اليوم التالي وصلت خمسمائة دولار من أحد المتبرعين في أمريكا – مساهمةً حيوية في مشروع البناء المستمر. فاتصلت "ليليان" بصديقتها القلقة وأخبرتها بما فعله الله في الأيام الماضية.

أجابت السيدة: "شكراً لله، إنني لم أستطع أن أنام طوال الليل؛ فقد كانت قلقة جداً عليك وعلى الأطفال".

لقد اختارت ليليان ألا تقلق عالمةً أن الله سوف يدبر كل الأمور.

المبدأ الثاني: رتّب أولوياتك جيداً

إننا يجب أن نطلب ملكوت الله وبره أولاً. إن الأمر الذي يوجد على السطح في ذهننا، هو الذي يستنفد كل طاقتنا ٍووقتنا، وهو الأساس في اتخاذ قراراتنا وما نتحمّس له. إذا كُنا أمناء، فإننا يجب أن نعترف أن المال كان في وقت من الأوقات الأولوية الأولى – وليس الله ولا ملكوته. فإذا كان الله في مكانه الصحيح في قلوبنا، فإن المال لن يؤثر فينا - سواء كنا نملكه أم لا. فإن أعيننا ستكون مركزة على الرب، وليس على كشوف حساباتنا. وعادةً ما يعكس مقدار قلقنا على المال، المكانة التي نعطيها له بين أولوياتنا.

المبدأ الثالث: كن مثابراً ومسئولاً

إن طلب ملكوت الله أولاً لا يعني أن نكون غير مسئولين عن أمورنا المادية؛ فنحن مطالبون أن نعرف حالة القطيع المسئولين عنه ونتأكّد من وضعه (أمثال 23:27). كما يقول لنا الكتاب المقدس أيضاً إن يد المجتهدين تسود (أمثال: فالمنتظَر من كل إنسان أن يكون منتجاً ومسئولاً عن احتياجاته الشخصية (1تس 11:4

هل تذكر الوصية الرابعة من الوصايا العشر؟ إننا عادة ما نركز على جانب واحد منها فقط وهو حفظ السبت، ولكن الجزء الآخر يقول ستة أيام تعمل.

إن البعض يشعرون أن العمل لعنة وأننا نكون في حالة أفضل لو لم نعمل. ولكني لا أؤمن بذلك؛ فعندما قال الله لآدم أنه ينبغي أن يعمل ليخرج من الأرض غلتها لكي يأكل خبزاً، لم تكن هذه لعنة أبداً. إن الرغبة في الإنتاج مغروسة عميقاً في قلب كل واحد منا – فالبطالة هي اللعنة الحقيقية. ولهذا، فإننا نجد أن كثيرين من الذين يُجبرون على التقاعد وهم في صحة جيدة، تسوء صحتهم ويموتون سريعاً بعد ذلك. إننا نحتاج لأن نعود للحقيقة التي كانت تعبر عنها أخلاقيات العمل عند التطهريين. Puritans فيجب أن نعمل ونعمل بجد فيبارك الله عمل أيدينا.

إن الكتاب المقدس يوصينا أيضاً بأُسرنا فنحن يجب أن نعتني أولاً بأسرتنا المباشرة ثم والدينا المسنين (1تي 4:5) ولكن الطريقة التي يقوم بها كل فرد بمسئولياته المادية تختلف من شخص لآخر لأن الله عنده دعوة فريدة لكل واحد ويعد كل واحد بطريقة خاصة للقيام بدعوته. لكن لا يجب أن نهرب من المسئولية.

المبدأ الرابع: استثمر أموالك ونمها

لقد أعطانا المسيح مثل الوزنات. وهذا المثل يوضح أن أمامنا التزام أن نفعل كل ما في وسعنا لنستثمر كل مواردنا بطريقة حكيمة. إن المال يجب أن يُستخدم ويُستثمر وينمو ليبارك كثيرين- لا أن يُكنز ويتراكم.

ولكن هناك تحذير واحد واجب، وهو أن هذا الكلام لا يعني بالضرورة نمو الثروة المادية - وإن كان هذا وارد، إنما هناك أسئلة أخرى مهمة: هل تنمو شخصيتنا أيضاً؟ هل ينمو ملكوت المسيح على الأرض؟ إن النمو هو مبدأ الحياة - والحقيقة أن أي شركة أو أي استثمار يمكنه أن يظهر نعمة المسيح بالحياة والنمو والتضاعف.

المبدأ الخامس: كن كريماً

إن كل مسيحي مؤمن يجب أن يكون كريماً وهذا جزء من التغيير الذي يحدث في شخصياتنا عندما نصير خليقة جديدة في المسيح. فإننا عندما نصبح خليقةً جديدة في المسيح، نصير مثل أبينا السماوي الذي هو أكرم الجميع.

إن أول سبب من أجله يجب أن نكون كرماء، هو أن نظهر لله شكرنا وعرفاننا وحبنا له. ولأننا لا نستطيع أن نرسل "شيكات" للسماء مقبولة الصرف باسم يسوع المسيح. فالطريقة الوحيدة لأن نقدّم عطايانا المادية له هي أن نعطي الآخرين. فالعطاء إذن هو نوع من العبادة.

إن من الطرق الأساسية للعطاء المادي لله هي العشور – أي إعطاء عُشر دخلنا. ومن خلال المثال المعاش والوصية المباشرة كان إعطاء العشور أمراً طبيعياً لكل من يعبد الله في العهد القديم، حتى أن العشور كانت قبل الشريعة (تك 20:14). والمسيح أوضح صراحةً أن العشور يجب أن تُراعي دون إهمال (مت 23:23).

ولكن إعطاء العشور لا يجعلنا كرماء. فإننا عندما نعطي العشور، فإن هذا يجعلنا أفضل من اللصوص بمقدار واحد في المائة! حيث أن كلمة الله تقول إن هذا العُشر هو ملكه. وبالتالي فإن عدم إعطاء العشور أو إعطاء ما هو أقل منها يُعتبر سرقة (ملاخي 8:3، 9؛ ولا 30:27-32).

ولكن العشور ما هي إلا تذكرة لنا أن الله يملك كل شيء – مائة بالمائة من كل مصادر الثروة في العالم. والرب يقول إن الفضة والذهب له (حجي 8:2) وإن الأرض وملؤها ملكاً له (مز 1:24) فنحن بحسب كلمته لا نملك شيئاً وكل شيء نقتنيه هو مجرد سلفة منه ونحن مسئولون أن نتصرّف فيها بحكمة لخدمة مقاصده وأهدافه. وهذا هو السبب في أن العطاء في العهد الجديد يتجاوز العشور. فالسخاء في العطاء لا يظهر في الصورة إلاّ إذا تجاوزنا الحد الأدنى الذي قاله العهد القديم وهو العشور.

إن كلمة الله تقول إن وضعنا المالي بالكامل يصير ملعوناً إذا لم نعط العشور (ملاخي 9:3). ربما لا تعرف كيف يمكن أن تعيش وتدفع كل ديونك الحالية بتسعين في المائة فقط من دخلك الضئيل.

إن الله نفسه هو الذي وعد أن يباركنا إن نحن أعطينا العشور: "... وجربوني بهذا قال رب الجنود إن كنت لا أفتح لكم كوى السموات وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع" (ملاخي 10:3). إن المبدأ الكتابي البسيط. إنك كلك وما تملك لله. وكما قال المسيح، يجب أن تسأل الآب أن يرشدك في كل شيء فقط قل: "ها أنا يارب وها هو كل ما أملك ماذا تريدني أن أفعل؟". وعندما ترى احتياج اسأل الرب إن كنت تعطي لهذا الاحتياج وكم؟ أطع الرب. إن عطاء العهد الجديد مبني على التسليم الكامل لله وطاعته في أي شيء يقوله، ثم الثقة به أن يفعل ما لا تقدر أنت عليه.

خطة الله لتدبير الاحتياجات

إن العطاء هو نوع من العبادة لله، ولكن الله وضع بعض النتائج العملية لسخائنا- بما في ذلك تدبير احتياجات فئات خاصة من الناس.

إن الكتاب المقدس يوّضح الطرق التي بها يدبر الله احتياجات الناس؛ وكل واحد منا يقع تحت إحدى هذه الطرق:

- من يكسبون قوتهم.

- الفقراء والمحتاجون.

- الّذين يعيشون على المن.

مَن يكسبون قوتهم

قال الله لآدم إنه بعرق جبينه يأكل خبزه. وهذه هي الوصية الأولى بعد السقوط. وهذه الفئة ممن يكسبون قوتهم بعرق جبينهم تشكّل الغالبية – فهم الّذين يعملون ليوّفروا احتياجات معيشتهم. ومعظم الناس يقعون في هذه الفئة. لأنهم يقومون بعمل وينالون في مقابلها مالاً.

الفقراء والمحتاجون

إن احتياجات الفقراء يجب أن تسدّد من خلال سخاء المؤمنين. فإن الكتاب المقدس يعترف بحق كل إنسان في الملكية الشخصية، ولكنه يذكرنا أن نعطي بسخاء للفقراء والمحتاجين.

ويقول الكتاب المقدس إن الفقراء سيكونون معنا كل حين. وتوجد أسباب كثيرة لذلك – فبعض الفقراء هم ضحايا أبرياء وبعضهم يفتقرون بسبب اختياراتهم الخاطئة، ولكن على أي حال لا يجب أن نقسي قلوبنا (تث 7:15، 11؛ 1يو 17:3)، ونقدم الأعذار ونصرف الفقراء فارغين (يعقوب 16:2). فيسوع لم يقل لنا أن نعطي فقط الفقراء المستحقين ولم يقل "من سألك اعطه... إلا إذا كان غشاشاً أو يدعى الفقر أو افتقر بسبب سوء تصرفه"، لا، بل قال: "من سألك اعطه" فالعطاء هو من أعمال الرحمة والتي لا تتوقف على الاستحقاق.

"وإذا افتقر أخوك وقصرت يده عندك فاعضده غريباً أو مستوطناً فيعيش معك" (لا 35:25).

توجد طرق كثيرة لمساعدة الآخرين، وبعضها له تأثيرات أطول أمداً. والكتاب المقدس يفرّق بين الفقراء الكسالى والفقراء المظلومين.

والكتاب أيضاً يقول "... إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً." (2تس 10:3). لذا، فيجب علينا أن نحاول أن نساعد الفقراء لكي يعولوا أنفسهم. ولكن أهم شيء هو أننا لا يجب أن لا نفشل في عمل الخير ونقسّي قلوبنا كما لا يجب أن نجد أعذاراً تعفينا من مسئوليتنا تجاه الفقراء.

والرب يقدّم الكثير من الوعود في الكتاب المقدس للذين يعطون الفقراء. وفيما يلي بعض منها...

+ "من يرحم الفقير يُقرض الرب وعن معروفه يجازيه" (أمثال 17:19).

+ "يوجد من يُفرّق فيزداد أيضاً ومَن يُمسك أكثر من اللائق وإنما إلى الفقر" (أم 24:11).

+ "الصَّالِحُ العين هو يُبارَك لأنّه يُعْطِي مِن خُبزِه للْفقيرِ" (أم 9:22).

+ "وأنفقت نفسك للجائعِ وأشبعت النفس الذليلة يُشرقُ في الظلمة نورُك ويكون ظلامُك الدامسُ مثل الظهر" (إش 10:58).

+ "النفس السخيّة تُسمَّن والمُروي هو أيضاً يُروَى" (أم 25:11).

+ "فيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع" (فيلبي 19:4).

+ "... فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يُجازيكَ علانية" (مت 4:6).

+ "طوبى للذي ينظر إلى المسكين. في يوم الشر ينجيه الرب" (مز 1:41).

+ "فتمتلئ خزائنك شبعاً وتفيض معاصرك مسطاراً" (أم 10:3).

+ "من يعطي الفقير لا يحتاج ولمن يحجب عنه عينيه لعناتٌ كثيرة" (أم 27:28).

+ "قضى قضاء الفقير والمسكين حينئذٍ كان خير.أليس ذلك معرفتي يقول الرب" (إرميا 16:22).

+ "ويلحق دراسكم بالقطاف ويلحق القطاف بالزرع فتأكلون خبزكم للشبع وتسكنون في أرضكم آمنين" (لا 5:26).كما قال الرب يسوع أيضاً إننا عندما نقف أمامه في اليوم الأخير، سوف تكون معاملتنا للفقير من أحد الأمور الهامة التي سوف تحدد كيفية محاسبتنا (مت 31:25-46).

الذين يعيشون على المن

يوجد أناس لأسباب خاصة أو دعوات خاصة من الله، يعالون بواسطة الله مباشرةً- كما عاش بنو إسرائيل على المن في البرية، أو إيليا عندما أعالته الغربان.

مقتبس من موقع الواحة